سورة الزمر - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزمر)


        


زلفى: قربى. اصطفى: اختار.
ان هذا الكتاب العظيم مُنزل من عند الله العزيز الحكيم، أنزلناه اليك ايها النبي آمراً بالحق لإظهاره وتفصيله للناس، فاعبد الله {مُخْلِصاً لَّهُ الدين} لا شِرك فيه ولا باطل.
{أَلاَ لِلَّهِ الدين الخالص}
فالعبادة يجب ان تكون لله وحده، خالصة له، وكذلك جميع الأعمال.
في الحديث الصحيح: «جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أتصدق بالشيء وأَصنع الشيء أريد به وجه الله وثناء الناس، فقال الرسول الكريم: والذي نفسُ محمدٍ بيده، لا يقبل الله شيئا شُورك فيه، ثم تلا قوله تعالى: {أَلاَ لِلَّهِ الدين الخالص}».
وبعد أن بين تعالى ان رأس العبادة الاخلاص، أعقب ذلك بذّم طريق المشركين، الذين اتخذوا من دون الله أولياء يعبدونهم، ويقولون: ما نعبدهم الا ليقرّبونا عند الله منزلة ويشفعوا لنا.
{إِنَّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} فيه من أمرِ الشِرك والتوحيد، وهو لا يوفق للهداية من هو كثير الكذب والكفر.
ولو اراد الله ان يتخذ ولدا، لاختار من خلْقه كما يشاء، ولكنه لم يلد ولم يولد، وهو منزه عن هذا كله {هُوَ الله الواحد القهار} وكل ما سواه مفتقرٌ إليه.


يكوّر الليل على النهار: يلفّ الليلَ على النهار، والنهارَ على الليل، ويدخلهما في بعض وذلك بفعل دوران الأرض حول نفسها فيُحدِث الليل والنهار. لأجل مسمى: يوم القيامة. أنزل لكم من الأنعام: خلقَ لكم من الانعام. في ظلماتٍ ثلاث: ظُلمة البطن، وظلمة الرحم داخله، وظلمة المشيمة. فأنى تصرفون: فإلى أين يعدِل بكم عن عبادة الله إلى الشِرك. الوزر: الذنب. ولا تزر وازرة وزر اخرى: لا تحمل نفسٌ آثمة حمل أخرى. بذات الصدور: بما يدور في نفس الانسان. منيباً إليه: راجعاً اليه بالطاعة، تائبا. خوّله: ملكه. اندادا: جمع نِدّ وهو المثل.
خلق الله هذا الكون بما فيه بأبدع نظام وأروع هيئة فهو: {يُكَوِّرُ الليل عَلَى النهار وَيُكَوِّرُ النهار عَلَى الليل}
وهذا تعبير عجيب ينطق بالحقّ والواقع، فإن تعاقُبَ الليل والنهار لا يحصلان الا لكروية الأرض ودورانها حول نفسها، فالتكوير معناه لفُّ الشيء على الشيء على سبيل التتابع، وهذا لم يُعلم الا منذ سنين معدودة. وهذا اكبر دليل على أن القرآن ليس من صنع البشر بل {تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله العزيز الحكيم}.
{وَسَخَّرَ الشمس والقمر كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى أَلا هُوَ العزيز الغفار}
وجعل الشمس والقمر كل منهما يجري لوقت معلوم، وكذلك دوران الشمس وجريانها لم يكتُشَف الا بعد الرسول، وفي بدء دراستنا نحن وأبناء جيلنا مثلاً كان معلمو الجغرافيا يقولون لنا إن الشمس لا تجري، وكل هذه الكواكب تدور حولها....
ثم بعد أن بيّن تعالى أن هذا النظام من خلقه وإبداعه، وانه مسخّرٌ للإنسان- ذيّل هذه الآية بقوله {أَلا هُوَ العزيز الغفار} حتى يبين للناس بأنه غفور رحيم، فلا يقنطون من رحمته بل يسارعون إلى طلب المغفرة والرجوع اليه.
لقد خلقكم الله ايها الناس من نفسٍ واحدة، وخلق من هذه النفس زوجاً لها، وخلق لكم من الانعام ثمانية أزواج هي: الإبل والبقر والضأن والماعز، فهذه اربعة انواع ثمانية أزواج، يخلقكم في بطون أمهاتكم طورا بعد طور في ظلمات ثلاث، هي: ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة المشيمة. ان خالق هذه الأمور العجيبة هو الله المنعم المتفضّل، ربكم ومالكُ امركم، له الملك على الاطلاق في الدنيا والآخرة، لا معبود بحقٍّ سواه، فكيف تعدِلون عن عبادته إلى عبادة يغره؟ اين ذهبت عقولكم!؟.
وبعد أن اقام الدليل على وحدانيته، وبيّن أن المشركين ذهبت عقولُهم حين عبدوا الأصنام- بين هنا ان الله هو الغني عما سواه من المخلوقات، فهو لا يريد بعبادته جَرَّ منفعة، ولادفع مضرة، ولكنه لا يرضى لعباده الكفر، {وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ} فكل نفس مطالَبةٌ بما عملت، وبعدئذ تُردّ إلى عالم الغيب والشهادة فيجازيها بما كسبت.
وهذا مبدأ جاء به الاسلام، وأصّله القرآن الكريم، ولم يستقرّ في فقه القانون الا في العصور الحديثة.
ثم بين تناقُضَ المشركين فيما يفعلون، فاذا أصابهم الضرُّ رجعوا في طلب دفْعه إلى الله.
{وَإِذَا مَسَّ الإنسان ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يدعوا إِلَيْهِ مِن قَبْلُ} وعاد إلى عبادة الأوثان.
ثم أمر الله رسوله ان يقول لهم متهكّما بهم: {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النار} مخلَّد فيها.
قراءات:
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي: {وان تشكروا يرضهُ لكم} باشباع ضمة الهاء. وقرأ يعقوب {يرضهْ} باسكان الهاء. والباقون: {يرضهُ} بضم الهاء بدون مد ولا اشباع. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ورويس: {لِيَضِل عن سبيله} بفتح الياء من يضل. والباقون: {لِيُضل} بضم الياء.


قانت: قائم بما يجب عليه من الطاعة. آناء الليل: ساعاته، واحدها آن. يحذر الآخرة: يخشى عذابها. ظُلل: جمع ظُلة، ما يستظل به من حر أو برد.
بعد أن ذكر الله من يؤمن عندما يمسَه ضر، ويكفر عند السرّاء- بين انه ليس سواءً عند اله مع من هو قانت يعبد الله في جميع حالاته، ولا تزيده النعمة الا إيماناً وشكراً، رجاءَ رحمة ربه. قل لهم ايها الرسول: هل يستوي الذين يعلمون حقوق الله، والذين لا يعلمون! انما يعتبر ويتعظ اولو الألباب، اصحاب العقول الواعية المدركة.
وقدر كرر الله تعالى هذا التعبير {أُوْلُو الألباب} ثلاثَ مرات في هذه السورة الكريمة دلالة على قيمة من يستعمل عقله ويفكر تفكيراً سليما.
وبعد اننفى المساواة بين من يعبد الله في جميع حالاته ومن يلجأ اليه عند الاضطرار وينساه عند النعمة، ثم من يعلم ومن لا يعلم- امر رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ان ينصح المؤمنين بجملة نصائح.
1- قل ايها النبي: يا عبادي الذين آمنوا بي، اتقوا ربكم بالأعمال الصالحة، فان الله قرر ان يُجزل الحسناتِ للذين آمنوا. واذا تعذرتْ طاعته في بلدٍ فتحولوا عنه إلى بلد غيره {وَأَرْضُ الله وَاسِعَةٌ}. ثم بيّن فضيلة الصبر، وأن جزاءها للصابرين بغير حساب. وهل هناك وعدٌ أعظم من هذا الجزاء!
2- وقل لهم: إني أُمرت بعبادة الله مخلصاً له الدين، ولا تنظر لي ما يقوله كفار قريش بأن تعود إلى ملّة أبيك وجدّك وتعبد الاصنام. فاعتبِروا ايها المسلمون واتبعوا رسولكم الكريم وأخلصوا العبادة والطاعة لله.
3- وقل لهم: إني أخاف عذابَ يوم القيامة ان عصيتُ ربي، ولذلك فإني أعبد الله مخلصاً له ديني، فأخلِصوا بعبادتكم لله.
4- اما انتم ايها الجاحدون فاعبدوا ما شئتم من الأصنام والأرباب من دون الله. وذكِّرهم ايها الرسول ان الخاسرين هم الذين أضاعوا أنفسَهم بضلالهم، وخسروا أهلهم بإضلالهم، وان ذلك هو الخسران الكبير.
ثم فصّل ذلك الخسران وبينه بقوله تعالى: {لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النار وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ الله بِهِ عِبَادَهُ}
طقات متراكمة من النار حتى تحيط بهم النار من كل جانب. هذا ما خوّف الله به عباده وحذّرهم منه، فاتقون يا عبادي واحذروا ذلك الشر العظيم. وتلك منّةٌ من الله تعالى تنطوي على غاية اللطف والرحمة منه وهو الغفور الرحيم دائما.
قراءات:
قرأ ابن كثير ونافع وحمزة: {أمَن هو قانت} بفتح الميم بدون تشديد. والباقون: {أمّن} بفتح الميم المشددة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5